الكويتيون وغزة- تضامن واسع وتشاؤم عميق حول حل الدولتين.

المؤلف: سامر رضوان أبو رمان10.21.2025
الكويتيون وغزة- تضامن واسع وتشاؤم عميق حول حل الدولتين.

بالتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، قام الباروميتر العربي في دولة الكويت بإجراء دراسة معاصرة، بمشاركة نخبة من المؤسسات الأكاديمية المرموقة، مثل جامعتي برنستون وهارفارد، ومركز دراسات الخليج والجزيرة العربية التابع لجامعة الكويت، بالإضافة إلى مركز السلام. شملت الدراسة عينة واسعة قوامها 1210 مواطنًا كويتيًا من كلا الجنسين، تم اختيارهم عشوائيًا من المنازل.

تتناول السطور القادمة أبرز النتائج التي تمخضت عنها هذه الدراسة المتعمقة، والتي ستُنشر كاملة على الموقع الإلكتروني: https://www.arabbarometer.org/ .

تجدر الإشارة إلى أن مفهوم الإرهاب، بكل ما يشتمل عليه من أفعال وتصرفات، يظل موضوعًا شائكًا ومثارًا للجدل والنقاش المحتدم، وذلك نظرًا لوجود رؤى متباينة ووجهات نظر عديدة حول تحديد ماهيته وأسبابه الحقيقية وأهدافه الخفية، سواء بين الكيانات والدول والمنظمات الدولية، أو حتى بين صفوف الباحثين أنفسهم. فتعريف الإرهاب يتأثر بشكل كبير بالسياق السياسي والثقافي والتاريخي الذي يحيط به.

تباين كبير

وفيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي المزمن، أشارت الدراسة بوضوح إلى أن إسرائيل وحلفاءها يعتبرون بعض الأفعال بمثابة دفاع عن النفس، أو إجراءات ضرورية لضمان أمنها، بينما يصنفون المقاومة الفلسطينية الباسلة في خانة الإرهاب المشين.

وفي سياق الدراسة، عُرضت على المشاركين قائمة مفصلة بالإجراءات والتدابير التي اتخذتها مختلف الأطراف الفاعلة في حرب غزة الأخيرة، وطُلب منهم تحديد ما يرونه منها "عملًا إرهابيًا" يستحق الإدانة.

وقد كشفت هذه الدراسة، التي ساهم في بلورتها ووضعها ثلة من الخبراء والمحللين المتخصصين، عن وجود تباين واختلاف كبير في وجهات النظر حول ما يعتبره المستجيبون عملًا إرهابيًا. فقد تصدر "قصف إسرائيل لغزة، والذي أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء" قائمة الأعمال الإرهابية بنسبة بلغت 35.5%، تلاه "قطع إسرائيل المتعمد للماء والكهرباء وتدمير البنى التحتية الحيوية في القطاع" بنسبة 31.3%، ثم جاء "طلب إسرائيل الجائر من أكثر من مليون مدني في غزة مغادرة المدن الشمالية للقطاع" بنسبة 31.1%، واعتبر 28.8% أن "الحصار الإسرائيلي الظالم المفروض على غزة منذ عام 2007" يندرج ضمن هذا السياق الإجرامي.

بماذا يصف الكويتيون الأحداث في غزة؟

وفي نفس المنوال، يلاحظ وجود جدل واسع وافتراق كبير في الآراء حول تعريف وتصنيف الأعمال العسكرية المرتبطة بالصراع. ففي حين يصف الإعلام الإسرائيلي والغربي الموالي له ما يجري بأنه "حرب"، فإن إعلام المقاومة الفلسطينية والإعلام العربي الوطني يصفونه بـ "العدوان" السافر. وقد تجلى هذا الخلاف الجوهري في التصريحات المتبادلة بين مختلف الأطراف المنخرطة في الصراع، حيث وُجهت اتهامات خطيرة بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في مقابل تبريرات واهية تتعلق بالدفاع عن النفس والحفاظ على الأمن القومي.

لقد أظهرت نتائج الدراسة بوضوح أن أغلبية ساحقة من الشعب الكويتي الأصيل أظهرت تضامنًا قلبيًا مع غزة المنكوبة، وذلك من خلال طرق متنوعة وأساليب مبتكرة، وكان أبرزها وأكثرها تفاعلًا مقاطعة شاملة للشركات والمنتجات التي تدعم الكيان الإسرائيلي المحتل!

فمنذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في شهر أكتوبر الماضي، أظهر الشعب الكويتي الأبيّ، بكل أطيافه وشرائحه، حالة من التضامن الراسخ والتعاطف العميق مع أهالي غزة الصامدين، مؤكدًا على أهمية الوقوف صفًا واحدًا بجانب الأشقاء في محنتهم العصيبة. وشهدت دولة الكويت جهودًا حثيثة ومبادرات خلاقة من قبل الأفراد والجمعيات الخيرية والمؤسسات المجتمعية؛ لتقديم العون والمساعدة والدعم اللامحدود لسكان غزة المحاصرين، سواء من خلال إطلاق حملات التبرع السخية، أو تنظيم الفعاليات التضامنية الحاشدة، أو توفير الإغاثة العاجلة والمستلزمات الضرورية، الأمر الذي عكس عمق الروابط الإنسانية والأخوية المتينة التي تجمع بين الشعبين الكويتي والفلسطيني.

وقد سُئل المشاركون في الدراسة عن الأساليب والطرق التي اتبعوها للتعبير عن تضامنهم مع غزة، سواء كانت مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، أو المتابعة اللحظية والمستمرة لأخبار الحرب، أو المشاركة الفعالة في الفعاليات التضامنية العامة، أو غير ذلك من أشكال الدعم والمساندة. وكشفت النتائج أن "مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل" كانت الطريقة الأكثر شيوعًا للتضامن بنسبة كبيرة جدًا وصلت إلى 83.6%، تلتها "متابعة أخبار الحرب باستمرار" بنسبة 64.8%، ثم "التبرع النقدي لإغاثة قطاع غزة" بنسبة 62.6%، ثم "بث رسائل تضامنية مؤثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة" بنسبة 44.1%، وأخيرًا "المشاركة في الفعاليات التضامنية العامة" بنسبة 21.5%.

نظرة تشاؤمية لحل الدولتين

وفيما يتعلق بنظرة الكويتيين المتفحصة إلى إمكانية تحقيق "حل الدولتين" العادل والشامل، فقد أبدت الأغلبية الساحقة من المشاركين في الدراسة تشاؤمًا عميقًا بشأن مدى التزام الإسرائيليين، حكومة وشعبًا، بهذا الحل.

وأشار المؤشر بوضوح إلى أنه تم سؤال المستجيبين عن مدى اعتقادهم بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية ملتزمة بـ "حل الدولتين" الذي يكفل بالتساوي الحقوق المشروعة والأمن المنشود لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وتبين أن نسبة كبيرة بلغت 79.2% لا يعتقدون بذلك إطلاقًا، في حين أن 8.0% يعتقدون إلى حد قليل فقط، و1.0% يعتقدون إلى حد متوسط، و6.2% يعتقدون إلى حد كبير.

وفيما يخص مدى الاعتقاد بأن الجمهور الإسرائيلي يتبنى "حل الدولتين" بالصورة المذكورة آنفًا، فقد أجاب 72.9% بأنهم لا يعتقدون بذلك إطلاقًا، و10.5% يعتقدون إلى حد قليل، و3.4% يعتقدون إلى حد متوسط، و7.2% يعتقدون إلى حد كبير.

تعكس هذه النسب العالية التي تشير إلى عدم ثقة الكويتيين في التزام الحكومة والجمهور الإسرائيلي بـ "حل الدولتين"، تشاؤمهم العميق إزاء نوايا الجانب الإسرائيلي ومدى جديته في تحقيق السلام العادل الذي يعيد الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني.

ففي عام 1993، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو التاريخي مع إسرائيل، والذي اعترفت بموجبه المنظمة بحق إسرائيل في الوجود ونبذت الكفاح المسلح ضدها، وأُنشئت بموجب هذا الاتفاق سلطة الحكم الذاتي الفلسطينية على أجزاء من أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. ومنذ ذلك الحين، تماطل إسرائيل في الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، رغم كل صور التعاون والتنسيق الأمني التي أبدتها السلطة الفلسطينية، بل اتخذت من الإجراءات التعسفية والسياسات الاستيطانية ما يجعل قيام هذه الدولة أمرًا مستحيلًا على أرض الواقع.

موقف صريح

لقد كان الموقف الشعبي الفلسطيني واضحًا وجليًا في تبني خيار مقاومة الاحتلال الإسرائيلي البغيض بكل الوسائل المتاحة، وعدم الاعتراف بشرعيته الزائفة، وتجلى ذلك بوضوح في انتخاب حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2006.

وعلى غرار السؤالين السابقين، تم توجيه سؤال مماثل للمستجيبين حول مدى اعتقادهم بأن القيادة الفلسطينية ملتزمة بـ "حل الدولتين"، وكشفت نتائج المؤشر أن 30.9% لا يعتقدون بذلك إطلاقًا، و11.1% يعتقدون إلى حد قليل، و10.8% يعتقدون إلى حد متوسط، و38.1% يعتقدون إلى حد كبير.

وفي المقابل، عند سؤال المشاركين عن مدى الاعتقاد بالتزام الجمهور الفلسطيني بـ "حل الدولتين" بالصورة المذكورة، أجاب 25.3% بأنهم لا يعتقدون بذلك إطلاقًا، و11.7% يعتقدون إلى حد قليل، و16.9% يعتقدون إلى حد متوسط، و37.8% يعتقدون إلى حد كبير.

تعكس هذه النتائج التي أظهرها الاستطلاع القيم، انقسامًا واضحًا في الآراء ووجهات النظر حول مدى التزام كل من القيادة الفلسطينية والجمهور الفلسطيني بـ "حل الدولتين" المتفق عليه دوليًا.

وتبدو نتائج السؤالين الأخيرين متوافقة إلى حد كبير مع نتائج السؤالين المتعلقين بمدى التزام إسرائيل، حكومة وشعبًا، بـ "حل الدولتين". فالإجراءات والسياسات التي اتخذتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي تعتبر الأكثر يمينية وتطرفًا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، والتي شملت الاعتداءات المتكررة والانتهاكات المستمرة لحرمة المسجد الأقصى المبارك وقطاع غزة المحاصر، وقضم المزيد من أراضي الضفة الغربية المحتلة والاستمرار في بناء وتوسيع المستوطنات غير الشرعية وغيرها من الممارسات العدوانية، قد دفعت شريحة كبيرة من الفلسطينيين إلى اليأس التام من إمكانية تحقيق "حل الدولتين" في ظل هذه الظروف.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة